كتب:نور احمد ـ خالد نادي ـ شهد أسامة 

الإيفيهات المُباعة لا تُرد ولا تُستبدل

لا يفوز بالضحكات إلا كل مُتنمِّرٍ

في عصر يشهد تطورًا ضخمًا ومستمرًا في وسائل التواصل والتفاعل بين شرائح الأفراد المتعددة، تضيع المقاييس الإنسانية والمحاذير الاجتماعية في غمرة هذا التطور التكنولوجي السريع، فتبرز ظواهر اجتماعية جديدة تحمل تأثيرات مختلفة على العلاقات الإجتماعية ولا سيما الإنسانية. من بين تلك الظواهر العديدة يسطع “التنمُّر” كأحد أهم المشكلات التي تُهدِّد الصحة الإجتماعية والنفسية. وفي سياق متصل، يظهر مفهوم “قصف الجبهات” كمصطلح شائع في المجتمعات العربية، إذ يُستخدم للإشارة إلى الردود الحادة أو الساخرة التي تهدف إلى إحراج الطرف الأخرأو إسكاته. وهذا يبقيه متأرجحًا بين من يراه فنًا من فنون الردود الذكية التي تحفظ للمرء وقاره وكرامته، وبين من يرى بعض أشكاله قد تتحول في بعض الأحيان إلى سلاحٍ مؤذٍ لا يختلف كثيرًا في عواقبه السلبية عن التنمُّر بشكل عام، واللفظي بشكل خاص.

 الإضحاك والتنمُّر وجهان لعملة واحدة

إن المصطلحين وبالرغم من أنهما يبدوان الآن وكأنهما الشئٌ ذاته ولا توجد فروق بينهما، فهما يختلفان عن بعضهما البعض شكلًا ومضمونًا؛ فبينما يكون الإضحاك يهدف إلى الترفيه والتسلية دون إيذاء مشاعر الأخرين، مسوَّرًا بالمزاح المقبول والمتبادل، يعتمد التنمُّر على السخرية والاستهزاء بهدف التقليل من شأن الشخص الآخر، مما يُسبِّب له إحراجًا أو أذى نفسيًا قد يُجاهد حتى يُنحيهما جانبًا ويستعيد ثقته بنفسه ثانية.

ومن ضمن الأمثلة البارزة علي “قصف الجبهات” التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التغريدة التي نشرها “محمد علي” من خلال موقع “إكس” قائلاً: ” أنا فركشت جوازتي قبلها بيوم بسبب أنّي عرفت أن خطيبتي لا تجيد عمل المكرونة بالبشاميل، اهتموا بالمطبخ شوية يا بنات”. هذا التصريح أثار ردود فعل متعددة ما بين مؤيد ومعارض، وكان أبرزها “مصطفي مجدي” الذي رد قائلاً: “أقصي طموح البهايم علفها”. وهكذا تحول الموقف من مجرد تجربة شخصية لشاب يشارك السبب الذي دفعه إلى فسخ خطبته إلي هجوم لفظي تهكمي علي الانترنت.

وتتعدد الأمثلة؛ فهناك شخص يقول ” أنا شخص رايق وبحب الهدوء ” فيرد عليه صديقه ويقول ” واضح، حتى مستقبلك ساكت ومش راضي يجي”. وهناك معلم يقول لأحد تلاميذه “إنت فاكر نفسك ذكي؟!” ليرد عليه التلميذ ويقول ” لا يا أستاذ، ولكن واضح إنك فاكرني كده”. وأخر طاعن في السن يقول “أنا زمان كنت بطلع الأول على الدفعة” ليرد عليه صديقه “واضح، بس دفعتك كانت من كام طالب؟ أنت وأخوك؟”

وفي السياق ذاته ومن أغرب مرات قصف الجبهات التي حدثت، نشر “علي أحمد” تغريدة علي حساب “سامسونج” يطلب فيها المساعدة قائلاً: “لو سمحت”، وعندما ردت الشركة بإجابتها الرسمية قال: “الجهاز الخاص بي لا يهنج نهائيًا وسريع للغاية في النت ويعمل مثل الفل” فأجابته الشركة ” هذا الطبيعي في شركتنا يا فندم، نحن سعداء جدًا برأي حضرتك ونتمني نكون عند حسن ظنك دائمًا”. فأجابها بالرد قائلاً: ولكن أنا ماركة تليفوني هواوي”. فكانت تلك الردود السريعة التي تعتمد على المفاجأة والتلاعب بالكلمات والتي أصبحت من السمات المميزة لقصف الجبهات.

السخرية اليومية صارت احتياجًا

في عالم يزداد تعقيدًا وضغطًا يومًا بعد يوم، لم تعد السخرية مجرد أداة للفكاهة، بل صارت وسيلة ضرورية للتنفيس عن الضغوط والتعامل مع الواقع القاسي، وأمست كدرع نفسي يحمي الأفراد من الإحباط ويمنحهم مساحة للهروب المؤقت من أشغال البحث عن لقمة العيش الشاقة وحتى الأوضاع السياسية والإجتماعية. فلم تعد الظاهرة تقتصر على قصف الجبهات بين الأفراد فحسب، بل تطول أيضًا المواقف الاجتماعية اليومية.

على سبيل المثال، أعرب “مهند حسن” قائلاً: “كل البنات دمها تقيل “. فحدثته “رنا” : “ما عدا أنت”. وفي حين أخر قالت سارة :” المول زحمة كل ما أمشي في مكان الخرفان يلاحقوني”. فرد عليها “سعيد” متهكمًا: ” الخرفان ما تلحق الا وراء التبن”. هذه الردود تعكس نوعًا من الاستجابة الساخرّة التي تتسم بالمفاجأة والذكاء الفوري.

وفي حالة أخرى، علَّق د. “تاج السر” علي خبر وصول رجل هندي يبلغ من العمر ١٢٤ إلي مطار أبو ظبي قادمًا من “فاراناسي”، ولم يستطيعوا مسؤلو الخليج إدخال بياناته كونه مولود ١٨٩٦، قائلاً: “طبيعي ده عمره أكبر من دولة الإمارات بثلاث مرات”. وذلك للإشارة إلى الحقائق بشكل فكاهي، مع التحايل على المعايير التقليدية للنقاشات الجادة.

الرياضة أخلاق

لم تكن الرياضة هي الأخرى بالبعيدة عن هذا النوع من التفاعل، فقي موقف طريف، صرح الاعب البرازيلي “داني ألفيش”: ” مورينيو أعتقد أنه اكتشف كرة القدم”. فرد عليه “مورينيو” البرتغالي قائلاً: “أنا لست من اكتشفها لكن من اكتشف بلدك هو برتغالي”. هذه الردود، التي تُستخدم أحياناً في الأوساط الرياضية، تزداد حدة عندما يتم التلاعب بكلمات اللاعبين وأفكارهم لخلق نوع من السخرية.

أما لاعب كرة القدم الشهير “زلاتان إبراهيموفيتش” فقد سُئل عن رأيه في اعتزال “ميسي”: “هل ستشاهد مباريات كرة القدم بعد اعتزال ميسي؟”. فجاء رد زلاتان الساخر: “وهل سيأخذ التلفاز معه؟”. هذه الردود السريعة تمثل جزءً من شخصية زلاتان المعروفة بفكاهتها الحادة.

عواقبها وخيمة

جدير بالذكر ، تظهر ظاهرة “قصف الجبهات” علي منصات التواصل الاجتماعي كأداة سريعة وفعالة في خلق التفاصل بين الأفراد . ورغم أن هذه الردود قد تكون فكاهية وتثير الضحك، إلا أن استخدمها المفرط قد يكون له تأثيرات سلبيه علي العلاقات الاجتماعية والأخلاقية. ، لذلك من المهم استخدام هذا الأسلوب بحذر، لتجنب الإساءة أو الإضرار بسمعة الآخرين

 

Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *