سامح سند: “الدارك ويب ليس مجرد فضاء خفي… بل سوق للجريمة تتجاوز القانون والأخلاق”
تقرير:علياء حسين – روضة سامر
في عالم يشهد تطورات تكنولوجية متسارعة وتغيرات جوهرية في أساليب الحياة بقيت الجريمة ثابتة في جوهرها وبالرغم من اتخاذها أشكالًا وأساليب جديدة تتناسب مع تطورات العصر فمن السرقة التقليدية إلى الاحتيال الإلكتروني ومن العصابات المنظمة إلى جرائم الإنترنت المظلم وجد المجرمون في الحداثة وسيلة فعالة لتطوير أدواتهم والتهرب من العدالة.
ومن هذا المنطلق كشف المخرج وصانع المحتوى سامح سند أساليب تنفيذ الجرائم وكيف تغيّر المشهد الإجرامي ولماذا أصبحت التكنولوجيا سلاحًا ذا حدين استخدمته كل من الأجهزة الأمنية والمجرمين على حد سواء.
الجريمة لم تتغير لكن أدواتها أصبحت أكثر تطورًا
وفي حديثه عن تطور الجريمة أكد المخرج أن السلوك الإجرامي ظل كما هو عبر الزمن إذ يسعى المجرم دائمًا إلى تجاوز القوانين وتحقيق مكاسب غير مشروعة لكنه شدد على أن الوسائل المستخدمة في ارتكاب الجرائم أصبحت أكثر تعقيدًا مما زاد من صعوبة كشفها وملاحقة مرتكبيها.
وأضاف موضحًا أن الجريمة كانت وما زالت تمثل سلوكًا منحرفًا عن القواعد المجتمعية لكنها اليوم أكثر احترافية بفضل الأدوات الحديثة التي يستخدمها المجرمون لتنفيذ جرائمهم دون ترك أثر واضح.
وانتقالًا إلى العوامل التي تدفع بعض الأفراد إلى ارتكاب الجرائم أشار سامح سند إلى أن الميول الإجرامية غالبًا ما تبدأ منذ الطفولة موضحًا أن العديد من المجرمين بدأوا بارتكاب سلوكيات خاطئة في سن صغير مثل السرقة من العائلة ثم تطورت هذه الأفعال تدريجيًا حتى أصبحت جرائم كبيرة ومن هنا تأتي أهمية البيئة في تشكيل شخصية الفرد
.
الجرائم الإلكترونية ..كيف أصبح الاحتيال أكثر ذكاءً؟
وفي سياق الحديث عن تطور الجرائم انتقل المخرج وصانع المحتوى إلى ظاهرة الجرائم الإلكترونية التي باتت تنتشر بوتيرة متسارعة خصوصًا في العالم العربي مشيرًا إلى أن الاحتيال عبر الإنترنت أصبح أكثر ذكاءً مما كان عليه في السابق حيث لم يعد يعتمد فقط على الخداع التقليدي بل صار المجرمون يستخدمون البيانات والمعلومات الرقمية لاستهداف الضحايا بأساليب يصعب كشفها.
وتابع موضحًا أن المحتالين اليوم يدمجون بين المعلومات الصحيحة والمضللة لخداع ضحاياهم وإقناعهم بأنهم يتعاملون مع جهات موثوقة ثم يستغلون هذه الثقة للإيقاع بهم مما جعل هذا النوع من الجرائم أكثر تعقيدًا من ذي قبل
.
عصابة فرخة كيف طورت العصابات التقليدية أساليبها؟
وفي إطار الحديث عن تطور أساليب الجريمة التقليدية استعرض سند نموذجًا لعصابة “فرخة” التي عُرفت بسرقة العملاء بعد خروجهم من البنوك حيث أكد أن هذه العصابة بدأت نشاطها في الستينيات وكانت تعتمد على السرقة المباشرة لكن مع تطور التكنولوجيا وظهور وسائل المراقبة الحديثة اضطر أفرادها إلى تغيير أساليبهم لتجنب الرصد الأمني مشيرًا إلى أن أفراد العصابة أصبحوا أكثر وعيًا بطرق التمويه والتخفي إذ يخضعون لتدريبات مكثفة تساعدهم على تفادي الملاحقة الأمنية مما جعل ملاحقتهم أكثر تعقيدًا.
الدارك ويب الوجه الأكثر رعبًا للجريمة
وانتقالًا إلى نوع آخر من الجرائم تحدث سامح سند عن الإنترنت المظلم أو ما يعرف بـ”الدارك ويب” مشيرًا إلى أن هذا العالم يضم أخطر أنواع الجرائم التي يصعب الوصول إلى مرتكبيها.
وأوضح أن الدارك ويب ليس مجرد فضاء خفي على الإنترنت بل هو شبكة مليئة بالجرائم التي تتجاوز الحدود الأخلاقية والقانونية بعضها يتمثل في الاتجار بالمخدرات والأسلحة بينما يصل بعضها الآخر إلى جرائم أكثر وحشية مثل القتل المتعمد الذي يتم تصويره وبيعه كما لو كان منتجًا تجاريًا.
وتابع مستشهدًا بقضية طارق التي تشابهت مع قضايا “الغرفة الحمراء” حيث يتم تصوير جرائم مروعة بغرض الربح مشيرًا إلى أن بعض مرتكبي هذه الجرائم يعانون من اضطرابات نفسية تدفعهم إلى تنفيذ أفعال غير إنسانية.
هل تحول التيك توك إلى ساحة للجريمة الرقمية؟
وفي سياق متصل حذر المخرج وصانع المحتوى سامح سند من أن بعض المنصات الرقمية مثل تيك توك أصبحت بيئة خصبة لاستغلال المستخدمين نفسيًا وماديًا مشبهًا الأمر بالمسرح الروماني القديم حيث كان المحاربون يستعرضون قوتهم مقابل المال.
وأوضح أن كلما زادت الأرباح الناتجة عن البث المباشر أصبح المحتوى أكثر جرأة وتجاوزًا للحدود الأخلاقية لم يعد الهدف تقديم محتوى هادف بل أصبح البعض مستعدًا لفعل أي شيء لجذب المشاهدات وتحقيق الأرباح.
وأضاف أن هذه المنصات فتحت الباب أمام نوع جديد من الجرائم الرقمية حيث يتم استغلال المستخدمين دون أن يدركوا أنهم جزء من مخططات تدرّ أرباحًا ضخمة على حسابهم.
صناعة محتوى الجريمة بين التوعية والاستغلال
وعن الجدل حول تقديم المحتوى الذي يتناول الجريمة أكد سامح سند أن كل القصص التي تُعرض اليوم سبق تقديمها لكن الفرق يكمن في أسلوب السرد وطريقة التناول فبينما يهدف البعض إلى التوعية يستخدمها آخرون كوسيلة للإثارة وجذب الانتباه مشددًا على أن توثيق الجرائم قد يكون وسيلة فعالة لنشر الوعي لكنه يتطلب التزامًا بمعايير مهنية صارمة حتى لا يتحول إلى استغلال تجاري للأحداث.
وفي ختام حديثه لفت سند إلى أن عالم الجريمة يشهد تغيرات سريعة حيث لم يعد المجرمون يعتمدون على الأساليب التقليدية فقط بل أصبحوا أكثر دهاءً في استغلال التكنولوجيا لتنفيذ جرائمهم والتهرب من القانون.
وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية تبذل جهودًا مكثفة لمواكبة هذه التطورات لكن يبقى دور الإعلام أساسيًا في تسليط الضوء على هذه الظواهر بأسلوب متوازن يهدف إلى التوعية بدلاً من الإثارة ويساعد في بناء وعي مجتمعي يحمي الأفراد من الوقوع في فخ الجريمة.
وفي النهاية نشير إلى أن الجريمة لم تتغير بقدر ما تغيّرت أدواتها فسواء كانت تُرتكب في زقاق مظلم أو خلف شاشة حاسوب أو حتى على منصات التواصل فتظل الفكرة واحدة فهناك دائمًا من يحاول اختراق النظام المجتمعي وهناك دائمًا ضحية تنتظر أن تكون أكثر وعيًا وحذرًا.