تقرير: هيئة التحرير

 

مصطفى عبد الهادي المحامي بالإستئناف العالي : “القانون المصري لم يذكر مصطلح التحرش الإلكتروني صراحة”

رباب الششتاوي استشاري علم النفس : ” خطورة التحرش لا تتوقف عند حدود الصدمة النفسية فقط

 

 

 لم يعد التحرش يقتصر على الأماكن العامة بل امتد إلى المساحة الخاصة عبر شاشات الهواتف وأجهزة الحاسوب ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المضايقات الإلكترونية واقعًا يهدد الكثيرين خصوصًا النساء مما دفع بعض الشخصيات العامة إلى إطلاق حملات للتوعية بخطورتها وكانت حملة(التحرش ليس افتراضيًا )التي أطلقتها الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي والمودل نور عريضة من أبرز المبادرات التي سلطت الضوء على التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه الاعتداءات الرقمية إلا أن الجدل لم يتوقف عند حدود الإدانة بل امتد إلى تساؤلات قانونية إذ تساءل البعض هل كل تعليق غير لائق يُعد تحرشًا وما الفرق بين التحرش الإلكتروني والمضايقات عبر الإنترنت وهل تعكس مصطلحات مثل التحرش الإلكتروني والاغتصاب الرقمي طبيعة هذه الجرائم أم أن الأمر يتطلب توصيفًا أكثر دقة يتماشى مع الواقع الرقمي نستعرض كافة التفاصيل في السطور التالية

التحرش الإلكتروني بين سطور نصوص القانون

 أوضح مصطفى عبد الهادي المحامي بالاستئناف العالي أن القانون المصري لم يذكر مصطلح التحرش الإلكتروني صراحة لكنه جرم أي فعل تضمن إيحاءات أو تلميحات جنسية سواء بالكلام أو الإشارة أو عبر الإنترنت مضيفًا أن العقوبة في هذه الحالات وصلت إلى الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر أو غرامة تتراوح بين ثلاثة ألاف وخمسة ألاف جنيهًا كما تضاعفت العقوبة إذا كان الفعل يهدف إلى تحقيق منفعة جنسية حيث بلغت السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات مما عكس تشديد القانون على هذه الجرائم بغض النظر عن الوسيلة التي اُرتكبت بها.

وأشار المحام بالأسئناف العالي إلى أن القانون ميز بين التحرش الإلكتروني والمضايقات الإلكترونية إذ شملت الأخيرة أي تصرف سبب إزعاجًا أو انتهك خصوصية الآخرين مثل إرسال رسائل متكررة دون موافقة الطرف الآخر أو نشر معلومات وصور شخصية دون إذن حتى لو كانت صحيحة موضحًا أن هذه الأفعال عوقبت بـ الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر أو غرامة تتراوح بين خمسون ألفًا ومائة ألف جنيه في حين بلغت العقوبة الحبس لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات مع غرامة قد تصل إلى ثلاثمائة جنيهًا إذا أدى الفعل إلى الإساءة إلى السمعة مثل نشر صور أو بيانات بطريقة تضر بالشخص.

وأكد مصطفى أن بعض مرتكبي هذه الجرائم استعانوا ببرامج لإخفاء هوياتهم إلا أن القانون لم يغفل هذه النقطة حيث نصت المادة 22 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على معاقبة أي شخص استخدم أدوات لإخفاء هويته أو آثار جريمته إذا كان الهدف من ذلك ارتكاب فعل غير قانوني أو التستر عليه مما يعكس حرص المشرع على مواكبة التطورات التكنولوجية التي قد يستغلها البعض للتحايل على القانون.

وفي ظل الجدل حول ما إذا كان التحرش الإلكتروني مجرد كلمات غير لائقة أم جريمة يعاقب عليها القانون قال المحامي بالاستئناف العالي إن:التشريعات المصرية لم تفرق بين التحرش في الواقع أو عبر الإنترنت طالما أنه تضمن إيحاءات أو تلميحات جنسية تمس كرامة الضحية موضحًا أن العقوبات تراوحت بين الحبس والغرامة بينما بلغت السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات إذا ثبت أن الفعل ارتكب بقصد تحقيق منفعة جنسية مما أكد أن التحرش الإلكتروني لا يقل خطورة عن التحرش المباشر.

هل التحرش الإلكتروني يضاهي جريمة الاغتصاب

وتطرق مصطفى المحامي بالاستئناف العالي إلى الجدل الدائر حول استخدام بعض الشخصيات العامة لمصطلح الاغتصاب الرقمي مشيرًا إلى أنه لا يوجد شيء يسمى بالاغتصاب أون لاين ولا يجوز أن نأخذ آراء أو فتاوى قانونية من غير المتخصصين؛ فتلك الفتوى الصادرة من عارضة الأزياء ناتجة عن جهل بالقانون ولا تعدو أن تكون رأيًا من وحي خيال صاحبه؛ حيث أن جريمة الاغتصاب لها شروط وأركان خاصة ومنصوص عليها حصرًا في القانون بحيث لا يمكن أن تتشابه أو تتداخل مع جريمة أخرى وذلك حيث نصت المادة 167 من قانون العقوبات على أنه (من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد. ويُعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة).

وأوضح المحام بالاسئناف العالي أن جريمة الاغتصاب هنا لها ركنان ركن مادي يتمثل في المواقعة بغير رضاء المجني عليها وركن معنوي يتمثل في القصد الجنائي حيث أن تلك الجريمة من الجرائم العمدية ولا يتصور فيها ركن الخطأ، فبالتالي فالاغتصاب بعيد كل البعد عن جريمة التحرش حيث أن جريمة التحرش يمكن أن تقع حتى ولو لم يحدث اتصال جسدي بالمجني عليها كما أن التحرش يمكن أن يقع على أنثى أو ذكر وذلك خلافًا للاغتصاب الذي لا يمكن أن يتصور وقوعه على غير الأنثى.

وفي ختام حديثه أكد مصطفى أن التكنولوجيا لم تمنح أحدًا حصانة من المساءلة القانونية مشيرًا إلى أن القانون المصري امتلك الأدوات اللازمة لملاحقة المتحرشين إلكترونيًا حتى لو حاولوا إخفاء هوياتهم موضحًا أن التشريعات الحديثة ضمنت معاقبة كل من استغل الفضاء الرقمي للإساءة إلى الآخرين مما عكس توجهًا واضحًا نحو فرض الرقابة القانونية على الجرائم الإلكترونية وحماية الضحايا من أي شكل من أشكال التحرش سواء في الواقع أو عبر الإنترنت

 

.

ونظرًا أن الحملة أوضحت مدى التأثر النفسي الكبير للمشاهير والأشخاصالذين يواجهون التحرش الالكتروني فكان علينا أن نعرف الاَثار والجوانب النفسية لذا توجهنا إلى الدكتورة رباب الششتاوي استشاري علم النفس وعضو لجنة التعليم بالمجلس القومي للمرأة التي قالت إن تأثير التحرش الإلكتروني يختلف تبعًا لعمر الضحية وطبيعة المجتمع الذي تعيش فيه موضحة أن المجتمعات التي تتسم بالانفتاح قد لا تتأثر بهذه الظاهرة بنفس حدة تأثر المجتمعات المغلقة حيث يزداد الشعور بالصدمة والتوتر في البيئات التي تفرض قيودًا مجتمعية صارمة.

كلمة صغيرة قد تؤدي لمصيبة خطيرة

وأضافت استشاري علم النفس أن خطورة التحرش لا تتوقف عند حدود الصدمة النفسية فقط بل تمتد إلى احتمالية توجيه الأطفال الصغار إلى سلوكيات خاطئة مثل الشذوذ أو غيره ما يجعل العلاج لاحقًا أكثر صعوبة مقارنة بتأثير التوتر أو القلق المؤقت مشيرة إلى أن التحرش الواقعي يظل أكثر قسوة وأشد وقعًا على الضحية مقارنة بالتحرش الإلكتروني إذ يمكن للأخيرة أن تتعافى منه بمرور الوقت أو بالابتعاد عن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بينما يبقى التحرش المباشر أشد وطأة وأصعب في تجاوزه

وأوضحت الدكتورة رباب أن هناك ندرة في البيانات والإحصائيات المتعلقة بحالات التحرش الإلكتروني نظرًا لعدم تجريمه في بعض الدول بالإضافة إلى أن الكثير من حالات التحرش الواقعي نفسها لا يتم الإبلاغ عنها فما بالك بالتحرش الإلكتروني مشيرة إلى أن أغلب الضحايا لا يقدمون بلاغًا إلا في حال تعرضهم للابتزاز وغالبًا ما يكون ذلك بتدخل من الأهل

كما لفتت إلى وجود تمييز في النظر إلى التحرش تبعًا لنوع الضحية إذ يُنظر إلى تحرش الذكور بالذكور على أنه قضية خطيرة بينما في بعض المجتمعات إذا تعرض ذكر لتحرش من أنثى قد يُعتبر ذلك أمرًا غير مقلق بل وحتى محل فخر وأكدت أن تأثير التحرش يكون أكبر في المجتمعات المغلقة حيث تزداد حدة الأضرار النفسية مع ازدياد درجة الانغلاق المجتمعي

وعن كيفية تجاوز الصدمة النفسية الناجمة عن التحرش الإلكتروني قالت الدكتورة رباب الششتاوي إنه من الضروري أن تجد الضحية وسيلة لتفريغ مشاعرها سواء من خلال التحدث إلى شخص قريب أو اللجوء إلى الكتابة والرسم كوسائل للتعبير عن المشاعر مضيفة أن الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي لفترة قد يساعد في إعادة ترتيب الأفكار والتعافي بشكل أسرع كما أشارت إلى أن الجلسات النفسية تلعب دورًا حاسمًا في التعافي وخاصة الجلسات الجماعية حيث يدرك الضحايا أنهم ليسوا وحدهم مما يسهم في تخفيف إحساسهم بالعزلة والعار ويساعدهم على تجاوز الأزمة بسرعة أكبر

وفيما يتعلق بدور الإعلام أوضحت أن تسليط الضوء على انتشار التحرش الإلكتروني يمكن أن يوفر دعمًا نفسيًا للضحايا ويشجعهم على الحديث عن تجاربهم دون خوف أو خجل كما دعت المؤسسات النفسية إلى تنظيم جلسات دعم جماعي لهذه الحالات وإطلاق حملات توعوية عبر وسائل الإعلام لتشجيع الضحايا على كسر حاجز الصمت والإبلاغ عن المتحرشين.

وفي هذا السياق أرجعت الدكتورة رباب الششتاوي صمت الضحايا إلى عدم تقبل المجتمع لفكرة التحرش حيث يقع اللوم غالبًا على الضحية بدلًا من الجاني مشيرة إلى أن الفتيات على وجه الخصوص يواجهن وصمة اجتماعية تمنعهن من الحديث عن تعرضهن للتحرش.

كما أشارت استشاري علم النفس في أثناء حديثها إلى أن المتحرشين عبر الإنترنت غالبًا ما يكونون غير أسوياء نفسيًا وقد يكون بعضهم تعرض للتحرش في السابق ويحاول تكرار التجربة أو يسعون للاستغلال والابتزاز كما أكدت أن الأشخاص ذوي النزعة السيكوباتية هم الأكثر تورطًا في هذه الجرائم لافتة إلى أن تصرفات المشاهير تلعب دورًا في تشكيل سلوكيات المجتمع إذ يسير كثيرون خلفهم دون وعي مؤكدة على ضرورة تغيير نظرة المجتمع إلى ضحايا التحرش والتعامل معهم كضحايا حقيقيين لا كأشخاص يتحملون مسؤولية ما تعرضوا له

Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *