تقرير: كتبت: رنا علاء عبد الحميد- سارة خالد سيد
جميعنا نسعى لأن نكون سعداء دائمًا ونهرب من مشاعر الحزن والإحباط، معتبرين إياها مشاعر سلبية يجب تجنبها بأي ثمن, لكن، هل فكرت يومًا في أهمية هذه المشاعر وما قد تخفيه من فوائد؟ دعنا نصحبك في رحلة لاكتشاف الجانب الأعمق والأهم لها.
بطلتنا اليوم هي شخصية فرح«Joy» من فيلم Inside Out، التي كانت ترى أن السعادة هي الشعور الوحيد الذي يجب أن يعيشه الجميع، متجاهلة تمامًا أهمية الحزن.
بالنسبة لفرح، كان الحزن شعورًا غير ضروري، بل مضرًا، وقد يؤدي إلى تعاسة رايلي.
لكن خلال أحداث الفيلم، تأخذنا القصة في رحلة اكتشاف، حيث تدرك فرح الدور الحيوي للحزن في حياة رايلي, ففي إحدى اللحظات، تتذكر فرح ذكرى سعيدة لرايلي أثناء لعبها الهوكي مع فريقها، ولكن عند التدقيق، تكتشف أن هذه الذكرى السعيدة جاءت بعد لحظة حزينة كانت السبب في تحقيق تلك السعادة.
هنا، تفهم فرح أهمية الحزن كشعور طبيعي في حياة رايلي، حيث يجعل ذكرياتها أكثر عمقًا.
نحن أيضًا قد نلعب دور فرح أحيانًا، فنحاول الهروب من مشاعرنا الحزينة، ونخفيها خوفًا من مواجهتها أو من رفض المجتمع لها, و هذا التصرف ينتج عنه ما يسمى الإيجابية السامة.
ما هي الإيجابية السامة؟
الإيجابية السامة هي حالة من الإنكار العاطفي، حيث يسعى الفرد إلى تجاهل مشاعره السلبية والتمسك بمشاعر إيجابية مصطنعة.
وفي مجتمعنا، قد نسمع عبارات مثل «لا تحزن، أنت أفضل من غيرك» أو «لماذا أنت حزين؟»، وهذه العبارات، رغم نواياها الجيدة، قد تجعل الشخص يشعر بأنه غير مسموع، مما يدفعه لإخفاء مشاعره الحقيقية.
تجارب شخصية مع الإيجابية السامة
تحدثنا مع أشخاص مارسوا الإيجابية السامة, وآخرين تعرضوا لها, من أجل التقرب منهم أكثر, للوصول إلى الصورة الكاملة.
وجاء الحديث على النحو التالي:
شخص مارس الإيجابية السامة
س: كيف اكتشفت أنك تمارس هذا الفعل؟
ج: اكتشفت الأمر بالصدفة, كنت أعتقد أن تجاوز الأمور بسهولة هو ميزة.
س: ما الذي دفعك لممارستها؟
ج: لا أستطيع تحديد السبب، لكن ربما كنت أرى أن الحياة لا تستحق الحزن كثيرًا.
س: هل كنت مدركًا أنك تؤذي نفسك بهذا الفعل؟
ج: لا، كنت أظن أن هذا السلوك طبيعي.
شخص تعرض للإيجابية السامة
س: ما شعورك عندما يتم التقليل من حزنك؟
ج: شعور سيئ، كنت أشعر أنني لا يجب أن أعبر عن مشاعري.
س: هل تعرضت للاستهانة بمشاعرك من والديك؟
ج: نعم، وكان هذا قاسيًا لأنني كنت أحتاج إلى دعمهم.
س: كيف تتعامل مع الذين يمارسون الإيجابية السامة عليك؟
ج: كنت أتجنبهم، وألوم نفسي لأنني شاركت مشاعري معهم.
س: هل غيرت هذه التجارب شخصيتك؟
ج: نعم، أصبحت أقل كلامًا وأجد صعوبة في التعبير عن مشاعري.
متى تكون الإيجابية سامة؟
وفقًا للدكتور منة الله سعد، أخصائية الصحة النفسية، تصبح الإيجابية سامة عندما يفقد الشخص قدرته على التعبير عن مشاعره الحقيقية، سواء كانت حزينة أو غاضبة، ويسعى للتظاهر بالسعادة ليكون مقبولًا اجتماعيًا.
وأشارت سعد إلى أن الإيجابية الزائفة قد تظهر أحيانًا في الإطار الديني، حيث يُطلب من الشخص الصبر والتحمل دون مواجهة المشكلة وحلها، رغم أن الدين يدعو إلى التوازن والواقعية في التعامل مع الأزمات.
وأضافت أخصائية الصحة النفسية, أن السبب الرئيسي لهذا السلوك هو تعامل الأهل مع الأطفال ومشاعرهم، حيث يتم رفض مشاعر الغضب أو الحزن على أنها غير مقبولة, كما يساهم المجتمع بشكل كبير في تعزيز فكرة السعادة الإلزامية.
ولفتت إلى أن هذا السلوك يسبب عدة أضرار، منها:
• كبت المشاعر.
• التنازل عن الحقوق.
• تسويف المشكلات دون حلها.
• ضعف الشخصية.
• تكوين علاقات غير صحية.
• تدهور الحالة النفسية.
كيف ندعم الآخرين بشكل صحي؟
سألنا أمينة سمير، أخصائية تعديل السلوك، عن كيفية تقديم الدعم بطريقة صحية، فقالت إن الدعم السليم يعني أن يشعر الشخص الذي لجأ إليك بالأمان للتحدث معك مرة أخرى, أما في حالة ممارسة الإيجابية السامة، فغالبًا ما يشعر الشخص بعدم الراحة في الحديث معك مرة أخرى.
وقدمت أخصائية تعديل السلوك, خطوات لتدريب الأفراد على التعبير عن مشاعرهم بصدق، وهي:
1- الاعتراف بالمشكلة وتقبل المشاعر السلبية والمشكلات بدلاً من الهروب منها.
2- ممارسة الرياضة، حيث تساعد على تحسين المزاج.
كما وأوضحت أمينة بعض النصائح لتعديل السلوك، ومنها:
بالنسبة للشخص الذي يقدم الدعم:
• يجب أن يكون لديه فضول حقيقي لفهم ما يمر به الشخص الآخر.
• الاستماع الجيد دون مقاطعة، مما يساعد الشخص على التعبير عن مشاعره.
• احترام مساحة مشاعر الآخر، وعدم محاولة إبعاده عن مشاعره السلبية.
• تقديم استجابة سريعة لدعمه عند الحاجة.
بالنسبة للشخص الذي يحتاج للدعم:
• عليه أن يتقبل مشاعره ويعترف بها دون إنكار أو هروب.
• تغيير الروتين اليومي من خلال الخروج مع الأصدقاء أو ممارسة أنشطة جديدة قد يساعد في تحسين حالته النفسية.
• يُنصح بطلب المساعدة من مختص إذا لم يكن قادرًا على التعامل مع مشاعره بمفرده.
وعلى الرغم من أهمية الإيجابية في حياتنا، فمن الضروري إدراك الفرق بين الإيجابية البناءة والإيجابية السامة، مع تحقيق التوازن بين التفاؤل والواقعية لبناء حياة متوازنة ومستقرة نفسيًا واجتماعيًا.