حوار: رنا علاء عبد الحميد- سارة خالد سيد
مادونا يني: ليس كل شخص مزعج يمكن وصفه بـ”توكسيك”
يني: لا يحق لأي شخص غير مختص تشخيص الآخرين بأنهم “سيكوباتيون” أو مرضى نفسيون
يعاني واحد من كل خمسة أشخاص من الاكتئاب بدرجات متفاوتة
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من المصطلحات النفسية مثل “التروما”، “التوكسيك”، و”السيكوباتي”، وأصبحت تُستخدم بكثرة بين الأطفال والكبار دون فهم دقيق لمعانيها.
وأصبح الاكتئاب، الذي يُطلق عليه مرض العصر، موضوعًا شائعًا للنقاش، لكن كثيرين لا يستطيعون التمييز بين الحزن الطبيعي والاكتئاب المرضي.
وفي هذا الحوار، نناقش الدكتور مادونا يني، استشاري الطب النفسي وعضو الكلية الملكية للطب النفسي بإنجلترا، للإجابة على بعض الأسئلة المهمة عن هذه المفاهيم، وتصحيح المفاهيم الخاطئة الشائعة عنها.
أولًا: المصطلحات النفسية الشائعة بين الفهم الخاطئ والاستخدام الصحيح
س: انتشرت في الآونة الأخيرة مصطلحات مثل “تروما”، “توكسيك”، و”سيكوباتي”، لكن العديد من الناس يستخدمونها بشكل غير دقيق, كيف يمكن التفرقة بين الاستخدام الصحيح والخاطئ لهذه المصطلحات؟
ج: يجب أن نفرّق بين الحديث عن المصطلحات النفسية وبين التشخيص الطبي، فليس كل شخص مزعج يمكن وصفه بـ “توكسيك”، ولا يحق لأي شخص غير مختص تشخيص الآخرين بأنهم “سيكوباتيون” أو مرضى نفسيون, هذه المصطلحات تُستخدم فقط من قبل المتخصصين بعد تشخيص دقيق.
أما بالنسبة لمصطلح “تروما”، فهو يشير إلى التعرض لصدمة نفسية قوية، ويمكن لأي شخص استخدامه لوصف تجربة مؤلمة مر بها، فهو ليس مرضًا نفسيًا بحد ذاته، بل حالة نفسية يمكن أن تؤثر على الشخص لفترة طويلة إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.
ثانيًا: الاكتئاب.. مرض العصر أم وعي متزايد؟
س: يقال إن الاكتئاب منتشر أكثر في الجيل الحالي مقارنة بالأجيال السابقة, هل هذا صحيح؟
ج: الاكتئاب لم يظهر حديثًا، بل هو أحد أكثر الأمراض النفسية شيوعًا منذ القدم، ويأتي في المرتبة الثانية بعد اضطرابات القلق, وفقًا للإحصائيات، يعاني واحد من كل خمسة أشخاص من الاكتئاب بدرجات متفاوتة.
لكن الفرق أن التوعية بالصحة النفسية ازدادت في العقود الأخيرة، وأصبح الطب النفسي أكثر انتشارًا، مما جعل الناس أكثر وعيًا بوجود الاكتئاب وأعراضه.
في الماضي، كان الكثيرون يعانون في صمت، دون معرفة أنهم بحاجة إلى علاج نفسي.
س: كيف نفرق بين الحزن الطبيعي والاكتئاب المرضي؟
ج: الحزن هو مشاعر طبيعية ومؤقتة، تحدث كرد فعل لحدث معين، مثل فقدان شخص عزيز أو فشل في تجربة ما، لكنه لا يدوم طويلًا، وعادة ما يتمكن الشخص من تجاوزه.
أما الاكتئاب، فهو حالة نفسية تستمر لمدة أسبوعين على الأقل بشكل متواصل، ويشمل فقدان الشغف وعدم القدرة على الاستمتاع بالأشياء التي كانت تسعد الشخص من قبل.
وفقًا للدليل الأمريكي للتشخيص والإحصائيات النفسية DSM-5، تشمل أعراض الاكتئاب:
-الشعور بالحزن أغلب اليوم، لمدة أسبوعين أو أكثر.
-فقدان المتعة والاهتمام بالأشياء التي كانت تمنح الشخص السعادة.
-تغيرات في الشهية والنوم (زيادة أو نقص شديد).
-تباطؤ في التفكير وردود الفعل.
-الشعور بالذنب أو انعدام القيمة.
-أفكار انتحارية أو رغبة في العزلة التامة.
وفي الحالات المتقدمة، قد يعاني الشخص من هلاوس وأوهام، ويعتقد أن الجميع ضده.
س: هل هناك عوامل وراثية تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب؟
ج: نعم، هناك أشخاص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية، مثل وجود تاريخ عائلي للمرض, كما أن هناك عوامل أخرى ترفع نسبة الإصابة، مثل:
-الإصابة بأمراض مزمنة تتسبب في ألم مستمر.
-التغيرات الهرمونية، خاصة لدى النساء خلال الحمل والولادة.
-التعرض لضغوط نفسية شديدة أو صدمات عاطفية.
س: البعض يشبّه الاكتئاب بالسرطان، فهل هذا التشبيه دقيق؟
ج: لا، هذا التشبيه غير عادل، بل قد يكون وصمة نفسية, السرطان مرض جسدي قد لا يوجد له علاج نهائي في بعض الحالات، أما الاكتئاب فهو مرض يمكن علاجه من خلال خطة علاجية صحيحة تشمل العلاج الدوائي والسلوكي.
كما أن وصف الاكتئاب بـسرطان النفس قد يُشعر المصاب بأنه ميؤوس منه، مما يؤثر سلبًا على استجابته للعلاج, لذا، من المهم استخدام مصطلحات تمنح الأمل بدلاً من تعزز الإحباط.
س: هل يمكن أن يُصاب الأطفال بالاكتئاب؟ وكيف نحميهم منه؟
ج: نعم، الاكتئاب يمكن أن يصيب الأطفال، لكنه ليس شائعًا مثل الكبار, ومع ذلك، تشير الدراسات إلى تزايد نسب الإصابة بين المراهقين، خاصة مع انتشار الضغوط الدراسية والاجتماعية.
لحماية الأطفال من الاكتئاب، يجب:
-مراقبة سلوكهم وتوفير بيئة داعمة لهم نفسيًا.
-التدخل المبكر عند ملاحظة أي تغيرات غير طبيعية في سلوكهم أو مشاعرهم.
-تعزيز مهاراتهم النفسية والاجتماعية منذ الصغر، حتى يتمكنوا من التعامل مع الضغوط بشكل صحي.
س: هل يمكن الوقاية من الاكتئاب؟
ج: نعم، هناك طرق فعالة للوقاية من الاكتئاب، منها:
-تحقيق التوازن في الحياة بين العمل والراحة والعلاقات الاجتماعية.
-ممارسة الرياضة بانتظام، لأنها تحفّز إفراز هرمونات السعادة.
-اتباع نظام غذائي صحي، لأن التغذية تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية.
-الاهتمام بعادات النوم الجيدة، حيث يرتبط قلة النوم بزيادة معدلات القلق والاكتئاب.
-تجنب العزلة الاجتماعية، والحفاظ على العلاقات الإيجابية مع الأصدقاء والعائلة.
-الابتعاد عن الكحول والمخدرات، لأنها تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب.
-طلب المساعدة عند الحاجة، سواء من الأهل أو المختصين النفسيين.
الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، لذا من المهم أن نفهم الفروق بين المصطلحات النفسية، وألا نُطلق أحكامًا خاطئة على الآخرين, كما أن الاكتئاب مرض قابل للعلاج، وليس مجرد حالة مزاجية عابرة، والوعي به هو الخطوة الأولى نحو التعافي.