بقلم الكاتب/ محمد مصطفى صحفى فى موقع فى الجولة
ثورة التكنولوجيا.. كيف تغيرت المعادلة داخل الملاعب وخارجها؟
لم يعد التدريب الرياضي كما كان قبل عقدين. فالصافرة وحدها لم تعد تكفي، ولا حتى الخبرة الطويلة للمدرب أو ملاحظاته البصرية قادرة على كشف كل التفاصيل.
في عصر التكنولوجيا، بات اللاعب الرياضي أشبه بجهاز حساس، يقيس كل حركة ونبضة وتفاعل، فيما أصبحت مراكز التدريب تشبه معامل علمية متقدمة تراقب وتحلل وتبرمج المستقبل.
هذا التحول الجذري لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة تسارع الابتكارات في مجالات تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، وأجهزة القياس الدقيقة، مما غيّر قواعد اللعبة، وفرض معايير جديدة للنجاح الرياضي.
واحدة من أبرز أدوات هذا التحول هي تقنيات تحليل الأداء بالفيديو، فلم يعد اللاعب يعتمد على ذاكرته لتذكر تفاصيل تمريرة خاطئة أو تمركز غير موفق، فبرامج مثل Hudl وCoach’s Eye تسجل كل لحظة وتتيح للمدرب واللاعب معًا دراسة اللقطات ببطء، مع إضافة تعليقات ورسوم توضيحية على الفيديو نفسه.
يقول المدرب الإسباني “روبرتو مارتينيز”، المدير الفني السابق لمنتخب بلجيكا، في حديث لموقع The Coaches’ Voice: “الفيديو أصبح أداة لا غنى عنها. يمكننا الآن أن نعيد مشاهدة أي لقطة، ونحللها من زوايا مختلفة، لنفهم لماذا نجحت أو فشلت”.
لكن الفيديو ليس سوى البداية. فالتدريب الحديث يعتمد على تحليل البيانات الضخمة إذ يتم جمع معلومات دقيقة عن كل لاعب: من معدلات الجري والسرعة القصوى، إلى نبض القلب، ومستوى استهلاك الأكسجين، وحتى نمط النوم.
أجهزة مثل Catapult GPS، التي تُثبت على أجسام اللاعبين، تُمكّن الطواقم التدريبية من تتبع الأداء اللحظي، وتحديد الحمل البدني لكل لاعب بدقة بالغة. فإذا تجاوز لاعب الحد الآمن للمجهود، يظهر ذلك فورًا في التقارير، ويتم تعديل خطته التدريبية لتقليل خطر الإصابة.
ومع تزايد حجم البيانات، جاء دور الذكاء الاصطناعي ليتحول من أداة تحليل إلى مساعد ذكي.
اليوم، تستخدم بعض الفرق خوارزميات للتنبؤ بإصابات محتملة، عبر مقارنة بيانات اللاعب الحالية ببيانات سابقة للاعبين تعرضوا لإصابات مشابهة.
في تصريح سابق لموقع MIT Sloan Sports Analytics Conference، قال أحد محللي البيانات في نادي ليفربول: “تمكنّا بفضل الذكاء الاصطناعي من اكتشاف أن بعض اللاعبين كانوا على وشك الإصابة، رغم أن اختباراتهم البدنية بدت طبيعية. توقّعنا الأمر، وأعدنا جدولة تدريباتهم، وتجنبنا كارثة”.
تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR) لم تعد مقتصرة على ألعاب الفيديو. اليوم باتت تستخدمها فرق النخبة لتدريب اللاعبين على المواقف التكتيكية من دون مجهود بدني، يمكن لحارس مرمى، مثلًا، أن يتدرب على صد ركلات جزاء عبر محاكاة واقعية، توفر له زوايا رؤية وردود فعل شبيهة تمامًا بالواقع.
فريق “دالاس كاوبويز” في دوري كرة القدم الأمريكية (NFL) يستخدم تقنية VR لتدريب لاعبي الوسط على قراءة الدفاعات المعقدة، دون الحاجة إلى الاحتكاك الجسدي المتكرر، مما يقلل من فرص الإصابة ويزيد من نضج القرار الفني.
إذا قارنا بين التدريب التقليدي والتدريب المعتمد على التكنولوجيا، نكتشف فروقًا واضحة. ففي حين كان المدرب التقليدي يعتمد على “التقدير” والخبرة الشخصية لتحديد جاهزية اللاعب أو مدى تطوره، يعتمد المدرب الحديث على “اليقين الرقمي”.
هل التكنولوجيا بديل أم مكمل؟
رغم كل هذا التطور، لا تزال هناك أصوات تحذر من الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا، فالعلاقة الإنسانية بين المدرب واللاعب، والحدس الفني، والتجربة الميدانية، كلها عناصر يصعب تعويضها بالأرقام والخوارزميات وحدها.
المدرب الألماني يورجن كلوب، المعروف بشغفه التكتيكي والتكنولوجي، يؤكد دائمًا: “الأرقام رائعة، لكنها لا تحسم كل شيء. القلب والعقل والمشاعر تظل حاضرة في كل قرار داخل الملعب”.
في النهاية، يمكن القول إن التكنولوجيا لم تلغِ التدريب التقليدي، بل طوّرته، وفتح أمامه آفاقًا جديدة.
المدرب العصري هو من يملك القدرة على الدمج بين العلم والفن، بين الأرقام والحدس، وبين الشاشة والعشب الأخضر.
إنها ثورة لا يمكن تجاهلها، بل ينبغي استيعابها، ليس فقط لتحقيق الفوز، بل للحفاظ على صحة اللاعب، وتطوير قدراته بأكثر الطرق كفاءة وأمانًا.