كتب: عمر إيهاب- شهد عمرو- محمد فتحي

 آخر: كنت هموت بسببه

حسين كحلة استشاري الطب النفسي: الحشيش الأكثر شيوعًا بين الشباب لهذا السبب

أميرة بيومي مدير قسم إدمان الفتيات بمستشفى الطريق: انخفاض الفئة العمرية للتعاطي إلى 12 عاما والأيس المخدر الأكثر شيوعًا

في ظل تزايد معدلات الإدمان بين الشباب، يصبح من الضروري الوقوف على الأسباب التي تقف وراء انتشار المخدرات بشكل عام، والمخدر الأكثر شيوعًا بينهم بشكل خاص, فمع انفتاح العالم على وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الوصول إلى المواد المخدرة، يواجه العديد من الشباب تحديات كبيرة في مقاومة هذا الإغراء الذي يدمر صحتهم وعقولهم.

في هذا التحقيق، نسلط الضوء على المخدر الذي أصبح يهدد مستقبل جيل كامل، نستعرض تداعياته على الأفراد والمجتمع، ونسعى لفهم كيفية انتشاره بشكل واسع وكيفية الوقاية منه قبل أن يصبح ظاهرة يصعب محاربتها.

رحلات واقعية.. من نار الإدمان إلى جنة التعافي

اقتربنا أكثر من هذا العالم المظلم، اقتحمناه لكشف ما به من قصص  وحكايات، كانت أبطالها شباب تنوعت رغباتهم لتعاطي المخدرات، بين الفضول ونسيان الواقع، أو الترفيه.

متعافي من الإدمان: التلفزيون هو السبب.. الحشيش مقبول نسبيا وهذا سبب انتشاره

وقال أحد الشباب المتعافين من الإدمان، البالغ من العمر 25 عامًا، إن أحد أسباب الاتجاه إلى الإدمان هو تأثير الشارع والتلفزيون، حيث يُظهران الشخص الشجاع كبطل يتعاطى المخدرات، مما يثير فضول التجربة، لكنه بعد ذلك يجد صعوبة في التراجع.

 وتابع أن الحشيش منتشر في كل مكان، مما يجعله سهل الوصول، ويرى أنه مقبول اجتماعيًا نسبيًا، مشيرًا إلى أن المخدر يؤثر على مزاج المدمن وحياته العملية والدراسية.

وأضاف أن قرار التعافي جاء نتيجة المشاكل مع الأسرة ونظرة المجتمع التي ترى المدمن شخصًا مرفوضًا اجتماعيًا، مما جعله يشعر بالعزلة.

 وأكد أنه خلال تعاطيه المخدرات كانت تراوده لحظات قصيرة يشعر فيها بعدم الرضا عن حاله، خاصة عندما يرى أقرانه يحققون نجاحات أفضل.

وشدد الشاب المتعافي, على أن علاج الإدمان لا يقتصر على الجانب الطبي فقط، بل يتطلب دعمًا نفسيًا متكاملًا، موضحًا أن كل مدمن يحتاج إلى طبيب نفسي، وأخصائي نفسي، ومعالج لضمان استمرارية التعافي.

 وفي نصيحته للشباب، دعاهم إلى عدم الانبهار بالشخصيات الزائفة التي تروجها السينما أو التأثر برفقاء السوء، مؤكدًا ضرورة أن يسأل كل شخص نفسه, «ما الذي ينقصني لأتجه إلى المخدرات؟».

رأيتهم يرهنون أطفالهم مقابل الحصول على المخدرات

شخص آخر متعافٍ من الإدمان، يبلغ من العمر 30 عامًا، وهو أحد المتعافين من زمالة المدمنين المجهولين، أوضح أن تجربته مع المخدرات بدأت بدافع الفضول وإثبات الذات.

 كان أول مخدر تعاطاه دواء لعلاج الكحة «بالمورال»، ثم بدأ في تعاطيه بصفة منتظمة، وبعد ذلك جرب البانجو و«كوتفين» التي أصبحت الآن غير منتشرة بكثرة, ثم تعرف على الهيروين، وفي البداية كانت التجربة تبدو جميلة، لكنه صُدم لاحقًا بأضرار المخدرات.

وقال إنه لم يكن يهمه نوع المخدر، بل كان يحتاج أي مادة مخدرة للهروب من واقع الحياة.

 أثرت المخدرات على كل جوانب حياته، سواء على علاقاته بأصدقائه وعائلته أو في العمل، حيث كان يذهب فقط لأخذ راتبه، كما تأثرت علاقته بربه.

 ومن أكثر المواقف التي جعلته يدرك خطورة الإدمان أنه كاد يفقد وظيفته، وأصبحت علاقته بوالده أقرب شخص إلى قلبه شبه منعدمة, كما رأى أشخاصًا يموتون بجرعة زائدة، وآخرين يرهِنون أطفالهم مقابل المخدرات.

قرر التوقف عن الإدمان بعد أن أدرك الواقع القبيح الذي كان يعيش فيه، وكان كل ما يسعى إليه هو قليل من التراب, أي المخدرات.

 تعرّف على زمالة المدمنين المجهولين وبدأ باتباع برنامج الـ12 خطوة للتعافي من مرض الإدمان، ولم يتلقَّ علاجًا طبيًا أو يدخل مصحة.

 واجه أعراضًا انسحابية قوية، مثل الأرق لمدة خمسة أيام متواصلة، لكن اجتماعات الزمالة خففت عنه كثيرًا.

وفي نصيحته للشباب، قال: «اقرأوا عن أضرار الإدمان على كل المستويات، اقتربوا من الله، وابتعدوا عن الصحبة السيئة والأشخاص السلبيين».

متعافي من الإدمان: “بقيت فاشل في دراستي والحشيش كان هيموتني

متعافٍ آخر، يبلغ من العمر 27 عامًا، وهو أيضًا أحد أعضاء زمالة المدمنين المجهولين، قال إنه لم يكن يعاني من ضغوط نفسية أو اجتماعية دفعته إلى الإدمان، بل كان الأمر مجرد تجربة في سن 12 عامًا عندما تعاطى الماريجوانا لأول مرة بعد أن عرفه عليها صديق.

 بعد ذلك، وجد ضالته في الإدمان، وقرر أن يعيش هذه التجربة يوميًا.

 كان مدمنًا على الحشيش، وهو مخدر يُعتبر مقبولًا اجتماعيًا نسبيًا, من وجهة نظره.

وأوضح أن المخدرات أثرت بشدة على حياته اليومية، إذ عاش في عزلة ووحدة ويأس وخوف، وكان مغيبًا تمامًا عن عائلته.

 كان يظن أن المقربين منه لا يلاحظون إدمانه، لكنه فوجئ أثناء تعافيه أنهم كانوا يعلمون بذلك, كان متفوقًا في دراسته، لكنه أصبح فاشلًا بعد إدمانه.

قرر التوقف عن التعاطي بعد أن كاد يموت بسبب جرعة زائدة من الحشيش, لم يتلقَّ علاجًا طبيًا، لكنه تعافى من خلال برنامج الـ12 خطوة، حيث عمل على ترميم نفسه روحيًا، وعقليًا، وجسديًا.

وأضاف: «الشباب غالبًا ما يفعلون عكس ما يُنصحون به، لأن لديهم تطلعات وأهواء خاصة».

لماذا ينتشر مخدر الأستروكس والشابو؟

و صرّح أحد الشباب المعالجين في مصحة للإدمان, بأن المخدر الأكثر شيوعًا بين الشباب حاليًا هو الأستروكس، نظرًا لانخفاض سعره وسهولة الحصول عليه، ويليه الشابو كثاني أكثر المخدرات انتشارًا.

 وأوضح أن الفئة العمرية الأكثر عرضة للإدمان تتراوح بين 17 و25 عامًا، وأن الإدمان لا يقتصر على طبقة اجتماعية معينة؛ فالشباب من الطبقات الغنية وكذلك البسيطة يمكنهم الوصول إلى المخدرات بطرق مختلفة.

وأشار إلى أن الشباب من الطبقات الغنية يحصلون على المخدرات في الحفلات، مثل حبوب الهلوسة وغيرها، بينما تكون الفئات البسيطة أو الشعبية الأكثر ترددًا على المصحات.

وأوضح أن أسباب اتجاه الشباب للإدمان متعددة، منها الفشل في العلاقات العاطفية، والإفراط في تلبية احتياجاتهم من الأهل أو إهمالها تمامًا، بالإضافة إلى الفضول، والتفكك الأسري، والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.

كما أضاف أن التحدي الأكبر في العلاج هو طول فترة بقاء المريض في المصحة دون هاتف أو تواصل مع الشارع والأشخاص الذين اعتاد التعامل معهم، إلى جانب صعوبة تغيير أفكاره وعاداته بعد سنوات من التعود عليها.

رأي المتخصصين عن تعاطي المخدرات والعلاج

أوضح الدكتور حسين كحلة، استشاري الطب النفسي بمستشفى أبو العزايم، أن الحشيش هو المخدر الأكثر شيوعًا بين الشباب بسبب سهولة الحصول عليه.

وأضاف كحلة أن العقل يحتوي على ميزان افتراضي يوازن بين هرمون النشاط والمتعة «الدوبامين» وهرمون السكون «السيروتونين»، مشيرًا إلى أن أي خلل في هذا التوازن, نتيجة ارتفاع الدوبامين بسبب مشاعر مثل الغضب أو الفرح أو الخوف , قد يؤدي إلى اضطرابات مثل الاكتئاب أو الوسواس القهري.

 وأكد أن السيطرة على هذا الخلل ممكنة باستخدام مهدئات طبيعية مثل الصلاة، أو الرياضة، أو التأمل أمام البحر.

ولفت استشاري الطب النفسي, إلى أن الإدمان يبدأ برغبة الإنسان في زيادة طاقته عبر إفراز الدوبامين، وكلما شعر بالمتعة زادت رغبته في تحقيق مستويات أعلى من الطاقة، ما يجعله بحاجة إلى جرعات أكبر في كل مرة، مما يؤدي إلى تفاقم الإدمان وصعوبة التخلص منه.

وشدد على أن التعافي يتطلب صبرًا وإرادة قوية، مشيرًا إلى أهمية تعلم الاعتدال، والاقتناع، والرضا عن النفس كخطوات نحو الشفاء.

أميرة بيومي: انخفاض في الفئة العمرية للمدمنين والعلاج لا يقتصر على الأدوية فقط

ومن جانبها, صرّحت الدكتور أميرة بيومي، أخصائية الصحة النفسية ومدير قسم إدمان الفتيات بمستشفى الطريق للطب النفسي، أن «الأيس» هو المخدر الأكثر شيوعًا، وأن الفئة العمرية للتعاطي انخفضت إلى 12 عامًا.

 كما أوضحت بيومي, أن زيادة المشاكل الاجتماعية والمالية والتفكك الأسري هي أسباب رئيسية تدفع الشباب للتعاطي.

وأكدت أن العلاج يتكون من ثلاث مراحل, وهم سحب السموم، العلاج النفسي (الذي لا يقتصر على الأدوية فقط)، وبرنامج زمالة المدمنين المجهولين (NA)، بالإضافة إلى العلاج السلوكي، مثل العلاج بالفن وتعلم المهارات.

واختتمت بيومي تصريحاتها, موضحة أبرز التحديات في علاج الإدمان, ومنها توفر المخدرات وسهولة الحصول عليها, إضافة إلى الضغوط اليومية والخلل الأسري, طول مدة العلاج وصعوبته ورفض المدمنين لفكرة التغيير.

Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *