مستشارة في الطب الشرعي: الذكاء الاصطناعي يوظف في عمليات التزييف والتزوير كما أنه يعطي فرصة لنمو الفكر الإجرامي 

 مساعد كبير الأطباء الشرعيين : أكثر من يعمل بالطب الشرعي هن السيدات ويعزف الرجال علي هذا المجال 

مستشارة الطب الشرعي : علم الهندسة أحد التخصصات غير المألوفة ظهرت على ساحة الطب الشرعي تكشف لنا ما وراء الجريمة

 

تقرير: ايسل بهاء الدين – علياء حسين

 

 

الثامنة صباحًا في يوم ممطر وبالتحديد في أرجاء حي السيدة زينب الذي يحاوطه السكون الذي لم يقطعه سوى صوت صراخ النساء الذين ينتظرون أمام مكان يحمل مشاعر متضاربة ألا وهو مشرحة زينهم حيث تتجمع السيدات برغم سوء الأحوال الجوية أمام البوابة الثانية للمشرحة في انتظار ذويهن منهن من كانت في حالة صدمة ومنهن من كن تظهر على وجوههن ملامح الحزن والدموع التي يمكن تمييزها من وسط غزارة الأمطار حينها

 

مدخل إلى عالم المشرحة

تبدأ رحلتنا بمشاعر مختلطة ما بين الخوف والقلق في هذا المكان الذي يثير الفزع في قلوب بعض الناس فهو يبقى في نظر الكثيرين كابوسًا يرتبط بفكرة التشريح فقط لكن الحقيقة أن خلف تلك الجدران القديمة العديد من القصص البشرية التي بدأت معنا فور عبورنا للبوابة الرئيسية لكي ننتظر في استراحة الزائرين التي كنا نظن أنها كذلك ولكن ظهر أمامنا أشخاص يبدون كالموتى ولكنهم أحياء يشربون كميات هائلة من الماء مما أثار تعجبنا ودارت في رؤوسنا كثير من الأسئلة ولكن سرعان ما أتضحت الصورة أمامنا وأدركنا أن تلك الاستراحة هي مكان مخصص للكشف عن مدمني المخدرات الذين كانوا ينظرون إلينا بنظرات مريبة أثارت الخوف بداخلنا كفتيات وهذا ظهر جليًا على وجوهنا مما جذب انتباه الحارس الذي سرعان ما طلب منا الرحيل من هذا المكان فذهبنا بعد ذلك إلى غرفة مديرة مصلحة الطب الشرعي عبر ممر طويل به عدد من الغرف للكشف على العنف ضد المرأة والطفل وتنتشر به رائحة الموت لأننا كنا في الدور الأول الذي كان أسفله غرف التشريح وثلاجات حفظ الجثث التي كانت رائحتها تلازمنا إلى أن وصلنا إلى مكتب الدكتورة ميرفت مساعد كبير الأطباء الشرعيين التي استقبلتنا بابتسامة في مكتبها ولكنها لاحظت القلق على وجوهنا فحاولت أن تطمئننا ومن ثم اصطحبتنا بين أروقة هذا المبنى العتيق الذي أظهر لنا كيف يمكن للموت أن يلمس الحياة بأبعاد إنسانية عميقة إلى غرفة يجلس بها اثنان من الطبيبات اللاتي يتعاملن بشكل يومي مع الجثث لنستمع إلى الحكايات التي تظهر كيف يمكن لهن أن يحققن العدالة بالإضافة إلى سبب هيمنة السيدات على هذا المجال الذي يظن البعض أنه حكر على الرجال فقط.

قالت الدكتورة ميرفت مساعد كبير الأطباء الشرعيين إن في الأصل الأمر يعود إلى أن الرجال لا يقبلون على هذا القسم بكليات الطب لأنه إذا عمل في هذا المجال فلن يتمكن من العمل خارج مصلحة الطب الشرعي وبالتالي لن يتمكن من أن يزيد من دخله لأنه يكون مسؤولًا عن عائلة لذلك نجد أن السيدات هن اللاتي يعملن في هذا المجال لأن دخل غالبهن مكمل لدخل الأسرة.

وبسؤال الطبيبات حول أبرز القضايا التي يتأثرن بها ذكرت الدكتورة نهال اختصاصي الطب الشرعي بالمشرحة أن حوادث الأطفال تؤثر فيهن كثيرًا كما أكدت مساعد كبير الأطباء الشرعيين حديثها قائلة إن الأطفال الذين تعرضوا للعنف الشديد يجعلهن يشعرن بالحزن هذا بالإضافة إلى حوادث الانتحار ولكن عند هذه النقطة لم نتمكن من استكمال حديثنا مع الطبيبات نظرًا لعدم موافقة كبير الأطباء الشرعيين على استكمال الحوار لذلك قررنا أن نلجأ إلى الدكتورة منى الجوهري أستاذ الطب الشرعي والسموم بكلية طب طنطا ومستشارة في الطب الشرعي لمعرفة المزيد من التفاصيل حول عالم مشرحة زينهم نظرًا لخبرتها الواسعة

.

كيف يربط الطب الشرعي بين الطب والقانون ودوره في كشف الحقائق

قالت الدكتورة منى الجوهري مستشارة في الطب الشرعي إن الطب الشرعي يقع ما بين الطب والقانون وهو التطبيق العلمي لخدمة القانون ففي حالة وجود جثة بها شبهة جنائية في وفاتها وتم الإبلاغ عن ذلك تلجأ النيابة العامة إلى الطبيب الشرعي لكي يحل لغز القضية إذا كانت متعلقة بالشق الطبي الذي يعود إلينا مشيرة إلى أن الطب الشرعي يحتاج إلى جميع التخصصات الخاصة بالطب والتي من ضمنها تخصص علم الحشرات.

 

تحديات الطب الشرعي في ظل تطور أساليب الجريمة

ذكرت مستشارة الطب الشرعي أن هناك تحديات حديثة ظهرت في مجال الجرائم فطبيعة الجريمة نفسها اختلفت عن الماضي على سبيل المثال أصبحت تستعمل المواد السامة التي لا تظهر أي أعراض إلا بعد ساعة أو اثنتين أو ثلاث من تناول الطعام بالإضافة إلى استخدام حقن البوتاسيوم والهواء مستشهدة بقضية مرت عليها قائلة إن هناك ممرضة رغبت في قتل زوجها المصاب بنزلة برد عن طريق حقنه بحقنة بوتاسيوم في الوريد ولم يتم فك لغز القضية إلا بإجراء تشريح للجثة

 

.

الحشرات الجنائية نافذة على معرفة وقت الوفاة

وأوضحت مستشارة الطب الشرعي أن علم الحشرات الجنائية يساعد الطبيب الشرعي في معرفة الوقت الذي مر على وفاة الحالة وذلك عن طريق دراسته لدورة حياة الحشرات وفي حال إذا كان الطبيب غير ملم بهذا الشق فإنه يجمع البيض واليرقات ويعطيها لعالم متخصص في علوم الحشرات لكي يوضح له المدة الزمنية التي تأخذها الحشرة لكي تظهر على الجثة وعن طريق ذلك يتم الوصول إلى الوقت الذي مر على الوفاة مشيرة إلى أنه تم استخدام علم الحشرات الجنائية لتحديد وقت الوفاة في كثير من القضايا والمراجع العلمية شاهدة على ذلك فهي ممتلئة بكثير من الحالات التي تم الرجوع فيها إلى العلم السابق ذكره

 

 

دور التخصصات الحديثة مثل البحوث البينية في الوصول للعدالة

واستكملت أن هناك تخصصات أخرى غير مألوفة ظهرت على ساحة الطب الشرعي من الممكن أن تساعد أيضًا الطب الشرعي في الكشف عن بعض الحقائق في جرائم معينة مثل حالات السقوط من علو التي تعد من أصعب الحوادث التي تصل إلينا فنحن نريد أن نعلم هل الشخص سقط منتحرًا أم هناك شخص دفعه ليسقط لذلك نلجأ في تلك الحالة إلى علم الهندسة لكي نحسب مسافة السقوط وبعد الجثة عن المبنى فإذا كانت الجثة بعيدة عن المبنى الذي سقطت منه فمن الممكن أن يكون هناك شخص ألقى بها.

وبسؤال الدكتورة منى الجوهري أستاذ الطب الشرعي والسموم بكلية طب طنطا حول أبرز التخصصات البينية المستحدثة والتي يتم تدريسها بأقسام الطب الشرعي بكليات الطب لتساعد في تحقيق العدالة ذكرت أن هناك علومًا كثيرة أبرزها علم البصمات والبصمة الوراثية مضيفة أن هناك علمًا كبيرًا اسمه علم مسرح فحص الجريمة الذي يتم الاستعانة فيه بمصور وباحث عن الآثار البيولوجية الموجودة في مكان الحادث للوصول إلى الحقيقة

.

الذكاء الاصطناعي في الطب الشرعي وعد أم تهديد

وذكرت الدكتورة منى الجوهري أن أحدث تقنية موجودة الآن هي الذكاء الاصطناعي ولكنه لم يطبق في علم الطب الشرعي أو في علم كشف الجريمة تحديدًا لكن في وقت قصير سيستخدم الذكاء الاصطناعي في الطب الشرعي لكشف غموض بعض القضايا فمن خلاله من الممكن أن ندخل فيه كل ما يتعلق بالجريمة والطب الشرعي والعلوم البينية بالإضافة إلى صور الصفة التشريحية للجثث ومن ثم يجاوب على الأسئلة المعقدة لتتضح الصورة كاملة أمامنا لنقف على سبب وفاة الجثة ولكنها نوهت إلى أن مثلما هناك مميزات للذكاء الاصطناعي إلا أنه به عيوب أبرزها أنه يمكن أن يستخدم في حبك الجريمة وعدم اكتشافها فعلى سبيل المثال قد يوظف في عمليات التزييف والتزوير كما أنه سيعطي فرصة لنمو الفكر الإجرامي لدى الخارجين عن القانون

.

الروبوت منافس أم مساعد للطبيب الشرعي

أكدت مستشارة الطب الشرعي على أن الروبوت لن يحل محل الطبيب الشرعي في تشريح الجثث لأن هناك جزءًا دائمًا لا يستطيع أن يقوم به إلا العقل البشري لذا فهو مساعد فقط أي المتحكم فيه هو الإنسان ومن هنا انتهت رحلتنا التي بدأت بشغف ممزوج بالقلق للتعرف على خفايا مشرحة زينهم والطب الشرعي وتطوره عبر الزمان فالعالم يتقدم وذلك المبنى العتيق لن يبقى على حاله بل سيواكب التطورات الجديدة

 .

Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *