مقال – كتبت: علياء حسين
في الدراما المصرية نجد أنفسنا دائمًا أمام مرآة تعكس ما يدور في أعماق المجتمع بكل ما فيه من أوجاع وتناقضات لكن حين تسلط الأضواء على الشخصيات الإجرامية يصبح الأمر أكثر تعقيدًا لأننا فجأة نقترب من هؤلاء الذين اخترقوا حدود القانون ونبدأ في رؤية جانبهم الإنساني وليس ذلك تعاطفًا مع أفعالهم بل محاولة لفهم رحلتهم وما الذي دفعهم إلى هذا الطريق المظلم وهنا يكمن السؤال هل نحن أمام فن يضيء الزوايا المظلمة في حياتنا لنفهمها؟ أم أن هناك خطرًا خفيًا في أن يتحول هذا الفن إلى أداة تطبع صورة الجريمة في أذهاننا وتجعلها أكثر قبولًا مما ينبغي هذا السؤال ليس نظريًا بل أصبح واقعًا نراه في بعض الحالات فقد لاحظنا أن بعض الناس بدأوا يستمتعون بمشاهدة هذه الأعمال بشكل مبالغ فيه بل وذهب البعض إلى ما هو أبعد حين أخذهم التفكير إلى طرق مبتكرة لتنفيذ جرائم مستوحاة من هذه المسلسلات فأنا أتذكر على سبيل المثال بداية ظهور جرائم قتل لم تُكتشف إلا بعد مرور وقت طويل على ارتكابها بسبب غياب الجثة ووجود عظام المجني عليه فقط وهي طريقة لم نرها في الواقع قبل أن تُعرض في مسلسل أيوب حين قُدمت مشاهد لزوجة تقتل زوجها وتذيب جثته في حمض لتبقي فقط على العظام وتم تصوير المشهد بشكل جعل الجريمة تبدو سهلة وربما قابلة للتكرار في ذهن البعض ولم يكن أيوب المثال الوحيد بل رأينا في مسلسل الأسطورة مشهدًا صادمًا حين أجبر رفاعي الدسوقي أحد الرجال على ارتداء ملابس نسائية والسير بها في الشارع وبعدها بفترة ظهرت جريمة مشابهة تمامًا تم تصويرها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يُدرك الجاني أنه يواجه ثلاث تهم قانونية واضحة البلطجة والتنمر والتشهير وهو ما لم يتم التلميح إليه في المسلسل مما جعل البعض يظنون أن مثل هذه التصرفات مباحة وهذا مجرد غيض من فيض فهناك أيضًا أعمال مثل سفاح الجيزة التي قدمت صورة دقيقة ومفصلة عن كيفية ارتكاب الجرائم بداية من استدراج الضحية وحتى التخلص منها وقد يكون الهدف دراميًا بحتًا لكن النتيجة أن البعض تأثر فعليًا خاصة وأن بعض النفوس المريضة تبحث دائمًا عن أفكار جديدة للخروج عن القانون والسؤال الذي يجب أن نطرحه الآن هل اكتفت الدراما بتقديم هذه النوعية من الأعمال فقط ؟الإجابة ببساطة لا على العكس زاد إنتاجها بعدما ثبت أنها تحقق نسب مشاهدة مرتفعة ومع هذا لا يمكن تجاهل أن بعض هذه الأعمال دفعت الجمهور للتعاطف مع المجرم
لمجرد أنهم عرفوا ماضيه أو ظروفه كما رأينا في مسلسل إقامة جبرية
ولكن من جهة أخرى هناك أعمال أنصفت الحقيقة وقدّمت الشر في صورته الكاملة من دون تجميل ووضعت نهاية عادلة لكل مجرم مثل مسلسل ساعته وتاريخه وهذا ما نحتاجه فعلًا وبعد ما سرده في السطور السابقة يبقى السؤال الأهم هل تستطيع الدراما أن تحقّق التوازن بين عرض الواقع والتوعية أم أن بعض الأعمال قد تساهم دون قصد في رفع معدل الجرائم من خلال تحويل الجريمة إلى دراما مسلية؟ الإجابة ليست سهلة لكنها مسؤولية لا يمكن تجاهلها.